يشهد العالم كله إعادة نظر في حوكمة العمالة المنزلية من منظور اقتصاد الرعاية، وهذا يعزى بشكل رئيسي إلى زيادة نسبة المسنين من سكان العالم الذين تجاوزت أعمارهم الخامسة والستين، مع ما يعنيه ذلك من زيادة في أعداد الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية على المدى الطويل. وفي الوقت ذاته يواجه العالم نقصاً متزايداً في العاملين في مجال الرعاية الصحية (أي أطباء وممرضين وقابلات). وقد قُدّر النقص بـ 7.2 مليون عامل في مجال الرعاية الصحية في عام 2013، ومن المتوقع أن يصل إلى 12.9 مليوناً.
ونتيجة لذلك أصبح لتقديم الرعاية للمرضى في المنازل الخاصة الأولوية على تقديمها في المستشفيات ، خاصة في حالة الرعاية الطويلة الأمد والرعاية بعد العمليات الجراحية. وقد أدى تبديل أماكن تقديم الرعاية إلى تغيير في مهام العمال المنزليون ، حيث صار العمال المنزليون المهاجرون يعملون كممرضين غير مرخصين، فيعطون المريض الدواء ويغيرون أنابيب التغذية وينظفون الجروح بعد العمليات الجراحية ويساعدون المريض في الاستحمام ويقيسون ضغط الدم ، بينما صار الممرضون المتخصصون يقومون بدور الطبيب "من خلال الإشراف على الآخرين الذين يقدمون الرعاية الصحية والعاطفية والنفسية الأساسية".
ولمواكبة التعقيد المتزايد والمهام المتعددة للعمالة المنزلية والتطور المهني ضمن هذا القطاع، تعمل الدول على وضع معايير كفاءة للعمالة المنزلية وبرامج مهارات مقابلة لها . وتهدف هذه البرامج إلى تقديم خدمات متخصصة ذات جودة عالية لاصحاب العمل وتحديد الأجور وفقاً لمستويات مهارة العامل وكفاءته والاعتراف بمهارات العمال لتشجيع انتقاله المهني ضمن القطاع وخارجه.
هذه البرامج يمكن تمويلها من قبل الحكومات أو القطاع الخاص أو اتحادات أصحاب الاعمال أو وكالات التوظيف أو العمال أنفسهم أو التنظيمات العمالية تبعاً للظروف. وهي تكون أكثر فعالية عند ربطها بنظم التأهيل الوطنية (أو معايير الكفاءة النموذجية للعمالة المنزلية) وبالفئات المقابلة لها في فئات الأجور الوطنية التي تعكس مستويات مهارة العامل وكفاءته. وفي الشرق الأوسط، حيث تخضع أجور العمال المنزليين للتفاوض بين البلدان المرسلة والمستقبلة يمكن أن تكون برامج قياس المهارات عند الوصول بديلاً عن اختلاف الأجر بحسب الجنسية.
صحيح أن منطقة الخليج العربي ما زالت شابة نسبياً بالمقارنة مع أوروبا وأمريكا الشمالية وشرق آسيا، ولكن من المتوقع أن تصل جميع دول الخليج بحلول عام 2050 إلى مستويات خصوبة أقل من المستوى اللازم للإحلال. فمتوسط العمر المتوقع في جميع الدول الخليجية تقريباً سيكون 75 سنة بحلول عام 2025 وسيصل إلى 80 سنة بحلول عام 2050. وستزداد نسبة المسنين الذين يحتاجون إلى رعاية في جميع الدول الخليجية، ما سيؤدي إلى زيادة الأعباء على الشباب العاملين والحكومة، وسيشكل ذلك اختباراً لاستدامة نموذج قيام الأسرة رعاية مسنيها. وسيكون أعلى مؤشر شيخوخة في الإمارات العربية المتحدة، حيث تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050 سيكون في الدولة 147 شخص مسن مقابل كل 100 فتى دون سن الخامسة عشرة.
لذا فمن الضروري إيلاء المزيد من الاهتمام إلى التغيرات الاجتماعية والديموغرافية في الدول الخليجية وآثارها على إدارة الموارد البشرية. حيث تعتبر العمالة المنزلية عامل مهم في التحول الديموغرافي في هذه الدول. ويجب أن يُراعى في تنظيم هذا القطاع، كيفية التجاوب مع التحولات الهيليكة التي سيشهدها على المدى الطويل مع تحول التركيز فيه من الخدمة المنزلية إلى الرعاية الصحية المنزلية.
أبرمت وزارة الموارد البشرية والتوطين شراكة مع الاتحاد الدولي للعمال ة المنزليين ة لإجراء بحث حول مستقبل العمل المنزلي في دول الخليج ، مع تركيز خاص على دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بهدف إلقاء نظرة فاحصة على طبيعة الطلب في هذا القطاع في الوقت الحالي وعلى المدى الطويل من أجل تحديد طريقة تصميم وتقديم خدمات مراكز تدبير . ونظراً لتشابه الظروف الثقافية والاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية في الدول الخليجية، سيقدم هذا البحث (من حيث إطار عمله ومنهجيته ونتائجه) مساهمة مهمة في المناقشات الوطنية المتعلقة بمستقبل العمالة المنزلية في الدول الخليجية الأخرى.
ويهدف البحث على وجه الخصوص إلى النظر في الجوانب التالية المتعلقة بالعمالة المنزلية في ثلاث إمارات هي أبوظبي ودبي والشارقة، مع مراقبة تفضيلات أرباب العمل من المواطنين والوافدين. وسيعتمد التحليل على إحصاءات ومقابلات ومناقشات جماعية مركزة مع أرباب العمل والعمال ومدراء/موظفي مراكز تدبير.